ما أهمية القطاع الصناعي وكيفية تطويره

بقلم:الدكتور محمد أبو حمور

عندما تواجه الدول والمجتمعات ظروفاً استثنائية تبرز نقاط قوتها التي تتيح لها مواجهة الصعاب وتحويلها إلي فرص، تماماً كما تبرز قدرة القبادات علي تحديد المفاصل الاستراتيجية التي تتيح الحفاظ علي الاستقرار وتعزز مسيرة النهضة والطموح، في هذا السياق نتفهم التوجيهات الملكية السامية بضرورة العمل علي دعم وتعزيز القطاعات الانتاجية وعلي رأسها القطاع الصناعي، وقد رأينا كيف أن جلالة الملك عبدلله الثاني حفظه الله لم يكتف بتوجيه الحكومة لدعم القطاع الصناعي بل بادر شخصياً لتأكيد وترسيخ هذا التوجه عبر زيارة بعض المنشأت الصناعية التي أثبتت قدرتها علي الابداع والابتكار ومواصلة العمل في أصعب ظروف، كما كان لها دور بارز ليس فقطفي تلبيه احتياجات المملكة الصحية والغذائية بل ساهمت أيضاً في تعزيز الصادرات الوطنية للدول الشقيقة والصديقة.

ولا شك بان هذه المعطيات تفرض مسؤوليات جسيمة علي عاطق القطاعين العام والخاص ليقوما بالعمل معاً علي تنفيذ التوجيهات الملكية وصولاً للارتقاء بهذا القطاع ورفع سويته بما يضمن تحقيق الانجازات وتلبية الطموحات والامال المعقودة عليه، ومن المفهوم أن الحكومة عندما تضع نصب عينها بناء دولة الانتاج فهي فهي تحمل النوايا الطيبة والرغبة الصادقة في تحقيق هذا الهدف، ونأمل ان يتم ترجمة النوايا والرغبات الي اجراءات وسياسات محددة وواضحة تتيح تحقيق الطموحات وتلبية الاحتياجات والرغبات.

القطاع الصناعي هو احد القطاعات الهامة ويشكل ركيزة اساسية للاقتصاد الوطني ومساهماً فاعلاً في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومولداً لفرص العمل وفي توليد القيمة المضافة للاقتصاد الوطني، وتقدر غرفة صناعة الاردن أن مساهمة هذا القطاع -المباشرة والغير مباشرة- بمختلف مكوناته قي الناتج المحلي الاجمالي قد تصل الي حوالي 40% وذلك عبر مساهمته في تشغيل وتنشيط قطاعات اقتصادية اخرى، كما انه يوظف حوالي ربع مليون عامل، اي ما نسبته 21% من حجم القوى العاملة في المملكة، ويستحوذ علي 65% من الاستثمارات المتدفقة للمملكة، وتشير الغرفة أيضاً الي ان القطاع الصناعي يشكل رافداً مهماً في العملات الاجنبية، كما ان صادرات هذا القطاع تشكل حوالى 90% من الصادرات الوطنية.

وكانت الصادرات الاردنية قد نمت بأكثر من 8% خلال العام الماضي مقارنة بالعام الذي سبقه، واستطاعت المنتجات الوطنية الوصول الي مئة واربعين دولة، وهناك جهات رسمية اخرى تقدر ان حجم القطاع الصناعي يشكل 25% من حجم الاقتصاد حيث يضم نحو 17 الف منشأة.

وتبين احدي الدراسات التحليلية التي اصدرتها دائرة الاحصاءات العامة قبل حوالى عام حول واقع القطاع الصناعي خلال فترة 2012-2016 الي ان نسبة المنشأت العاملة في قطاع الصناعة تزيد عن 14% من اجمالي مجموع المنشأت العاملة في المملكة، كما أن مساهمة قطاع الصناعة في توليد القيمة المضافة تزيد عن 22% من اجمال القيمة المضافة لكل القطاعات، وتشير دراسة اخرى نشرتها المؤسسة الاردنية لتطوير المشاريع (جيدكو)/ مرصد المشاريع الصغيرة والمتوسطة في شهر شباط من هذا العام الي ان الرقم القياسي لكميات الانتاج الصناعي انخفض من 100% عام 2015 الي نحو 87% عام 2019، سنة الاساس 2010، وارتفعت الفجوة بين الرقم القياسي لاسعار المنتجين الصناعيين وكميات الانتاج 10.9 نقطة مئوية عام 2016 الي 32.8 نقطة مئوية عام 2019، ومن الواضح ان هناك فرص للتوسع امام القطاع الصناعي بالرغم من وجود عوامل تعيق ذلك.

لا أحد يمكنه أن يتجاهل ضرورة توفير الظروف الملائمة لنمو وازدهار مختلف القطاعات الانتاجية وحتي الخدمية فالاقتصاد في النهاية كل مترابط ويحتاج الي جهود متكاملة تراعي التأثيرات المتبادلة وتستوعب التداخلات القطاعية المختلفة، لذلك فإن أول متطلبات النهوض بالقطاع الصناعي هي توفير بيئة محفزة للاستثمارات المحلية وجاذبة للاستثمارات الخارجية، بما في ذلك الاهتمام بتوفير بنية تحتية ملائمة وتحسين مناخ ممارسة الاعمال والارتقاء بالخدمات التي يقدمها القطاع العام وغيرها من المتطلبات ذات العلاقة.

واذا تناولنا القطاع الصناعي بالتحديد فنحن امام مهمة تبدأ برجال الأعمال وقدرتهم علي اختيار استثمارات نوعية وتوفير منتجات ذات جودة عالية وقدرة علي المنافسة مع ما يستدعيه ذلك من الاهتمام بالبحث والتطوير والتعزيز الابتكار وتطوير المنتجات السلعية والتكنولوجية خاصة اذا اخذنا في اعتبارنا ان السوق المحلى صغير الحجم وبالتالى لابد من التفكير دوماً بالاستفادة من الاسواق الخارجية التي أتاحت الاتفاقات المختلفة التي وقعتها المملكة فرصة الولوج لها.

ولكن السؤال الذي يطرح هنا: هل يستطيع الصناعيون لوحدهم أن يقوموا بذلك اذا لم تتوافر لهم الظروف والمتطلبات اللازمة التشريعية منها والمؤسسية والاجرائية، وما هو دور القطاع العام والحكومة بأجهزتها المختلفة، ومن الواضح أن التعاون الفعال والبناء المستند الي الثقة المتبادلة والفهم المشترك للظروف والحيثيات المختلفة هو السبيل لتحقيق طموحات الدولة في التنمية والازدهار والتقدم المستدام، والقطاع الصناعي يواجه اليوم العديد من التحديات الداخلة والخارجية منها ما هو مستجد بفعل ازمة الوباء ومنها ما هو متراكم نتيجة لمجموعة من السياسات والاجراءات التي اتخاذها من جانب الحكومة في اوقات سابقة.

وقد اثبتت الصناعات الوطنية خلال الازمة الراهنة قدرتها علي توفير احتياجات السوق المحلي وتجاوز ذلك الي التصدير بالرغم من كل ما اصاب سلاسل التوريد والانتاج من ضرر نتيجة لسياسات الاغلاق والتباعد الاجتماعي والصراع بين القوى الاقتصادية الكبرى، حيث اصبح واضحاً أن بعضها أخذ يتراجع شيئاً فشيئاً عن سياسات السوق المفتوح وحرية التجارة خاصة وعندما يتعلق الامر بقطاعات استراتيجية وتكنولوجية.

نحن اليوم بحاجة الي سياسة توطر القطاع الصناعي وترسم له خارطة طريق ليستطيع ان يواصل انجازاته وان يتغلب علي التحديات التي يواجهها من خلال ترجمة احتياجات الصناعة الوطنية تحديات تتعلق بلكفة الانتاج بما في ذلك كلفة الطاقة (الكهرباء والمحروقات) والضرائب التي تفرض أحياناً علي المواد الاولية ومدخلات الانتاج، وضريبة المبيعات التي تضعف القدرة الشرائية للمواطن، وكلفة النقل ونقص الكوادر المهنية والكفاءات التي تتطلبها بعض القطاعات.

كما أن هناك مصاعب تتعلق بالحصول علي التمويل وكلفته المرتفعه في كثير منه الاحيان، يضاف الي ذلك ما تواجهه الصادرات من صعوبة سواء ما يتعلق منها بالقدرة علي المنافسة أو العوائق الفنية والاجرائية التي تفرضها بعض الدول، والأخيرة تستدعي من الحكومة أن تقوم بتفعيل سياسة التعامل بالمثل، وخاصة ان هناك الكثير من هذه الممارسات التي يعملها القاصي والداني، كما أنه من غير المنصف أن نطالب الصناعات المحلية بمنافسة صناعات من بعض الدول التي تقوم بدعم منتجاتها بشكل مباشر او غير مباشر من خلال الكلفة المنخفضة للطاثة والتي تعتبر بالنسبة لبعض القطاعات من أهم مدخلات الانتاج، ونحن في الاردن ومن باب التزامنا بالاتفاقيات التي نرتبط بها مع مختلف دول العالم لا نستطيع ان نقدم دعماً مباشراً للصادرات ولكننا يمكن أن نعمل علي تخفيض كلفة المنتج الاردني وأن نوفر المتطلبات التي توفر الارتقاء بجودته عبر تعزيز التدريب والتأهيل للفنيين والعاملين في هذه المجالات أضافة الي دعم البحث والتطوير المتاح بشكل مباشر او غير مباشر عبر تعزيز وتفعيل التعاون بين المؤسسات الصناعية ومراكز الابحاث والمؤسسات الاكاديمية، فمواكبة الصناعة للتكنولوجيا أمر في غاية الأهمية ويمكن أن يحدد مسارات التطور المستقلي.

ومن باب الانصاف لابد أن نذكر قيام الحكومة بالغاء الضرائب علي العديد من المواد الاولية ومدخلات الانتاج، وبعض الاجراءات الهادفة الي تخفيض كلفة الطاقة، وكذلك تحسين اجراءات رد الرسوم والضرائب، والعمل علي تسديد جزء من المتأخرات المستحقة لبعض القطاعات، ومنح المنتج الوطني اولوية لدي طرح العطاءات وغيرها من الخطوات والاجراءات الايجابية التي تصب بالاتجاه الصحيح، الا أن الحاجة ما زالت قائمة لمزيد من العمل في هذا الاطار وبحيث تحمل هذه الخطوات صفة الديمومة والمؤسسية الديناميكية القادرة علي التصدي للمعيقات ومواجهة ما قد يستجد منها وتشجيع عل تحفيز وجذب الاستثمارات وتؤمن تمويلاً معتدل الكلفة للمشاريع الجديدة ولتوسعة المشاريع القائمة.

هناك ضرورة لبذل مزيد من العناية بالقطاع الصناعي وتعزيز دوره في الاقتصاد الوطني فنحن اليوم أحوج ما نكون الي القطاعات التي تولد فرص العمل وتساهم في رفع نسبة النمو الاقتصادي وزيادة الصادرات الوطنية وتوفير كل ما هو ممكن لتمكين المنتج الاردني من المنافسة محلياً وعالمياً واذا كان دور الحكومة والصناعيين هو الاساس في ميدان الصادرات والاسواق الخارجية فالمواطن هو الاساس فيما يتعلق بالسوق المحلي، ولابد أن يدرك المواطنون بان استهلاك المنتج الاردني هو السبيل لنهضة الاقتصاد وتمتين التكاتف المجتمعي الذي يحقق مصلحه الوطن والمواطن، وقد اتضح ذلك بجلاء خلال الازمة والاغلاقات التي شاهدناها في الربع الثاني من هذا العام حيث شكلت المنتجات الوطنية شبكة تزويد وتوريد امنة وموثوقة لبث احتياجات المواطنيين وزودتهم بما يحتاجونه من منتجات وساعدتهم في التغلب علي الظروف الصعبة.

الدعوة للنهوض بالصناعة الوطنية وتوفير كل ما يمكن لتطويرها وتحفيزها لا تنفصل عن الدعوة لتحفيز الاقتصاد الوطني ولا عن تحسين ظروف معيشة المواطنين فالاولى هي الطريق لما بعدها لذلك يصبح لزاماً تكثيف التنسيق مع الجهات ذات العلاقة في القطاع الصناعي للتوصل الي تفاهمات محددة وجراءات واضحة تكفل ازالة العقبات وفتح المجال امام هذا القطاع ليقوم بدوره الريادي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وذلك لنستطيع القول اننا نتقدم بخطوات جادة وحقيقية نحو دولة الانتاج ونسير قدماً نحو الاعتماد علي الذات.

للمزيد..

Facebook Comments